


حوار هادئ مع الشيخ الدكتور محمد علي فركوس –وفقه الله-
-الحلقة الثانية-



الحمد لله وصلّى الله وبارك وسلم على نبيّه ومصطفاه نبيّنا محمد وعلى آله وصحابته ومن اقتفى آثارهم إلى يوم الدين وبعد:
فقد كتبتُ قبل ما يقارب الشهر الحلقة الأولى من سلسلة: «حوار هادئ مع الشيخ محمد علي فركوس –وفقه الله-»، وقد حَوت الحلقة إشكالات وأسئلة طرحتها على الشيخ نيابة عن الكثير من أهل السنة، لكن للأسف لم نحظَ بجوابٍ من الشيخ يعيد به الأمور إلى نصابها، ويكون منارة يهتدي به من ضاع في ظلمات هذه الفتنة، وإنّي مذكّر نفسي والشيخ الكريم بقول الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}، وبقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند «أبي داود 3658» وغيره: «من سئل عن علم فكتَمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة»، عافاني الله وإياك من هذا الوعيد المخيف!
وإنّي أعيذ نفسي أوّلا وأعيذك بالله يا شيخ من شرور النفس المانعة من قبول الحق والقول به، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في «الاقتضاء 73-74»: «فقد وَصفَ المغضوب عليهم بأنّهم يكتمون العلم، فإنهم تارة يكتمون العلم بُخلا به وكراهة أن يَنال غيرهم من الفضل ما نالوه، وتارة اعتياضا عنه برئاسة أو مال فيَخاف من إظهاره انتقاص رئاسته أو نقص ماله، وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل، ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم»، أسأل الله السلامة والعافية.
ولا يخفاك -وفقك الله- أنّ أئمة الإسلام قد أجمعوا على حُرمة كتمان العلم وعدّوا الواقع في هذا الفعل آثما يُخشى عليه عذاب الله وعقابه، ولم يستثنوا إلاّ ما تحققت المصلحة في كتمانه، وهي حالات نادرة جدّا، فإن كنت تعتقد –وفقك الله- أنّه لا يلزمك الجواب وأنّ موقفك هذا لا يدخل في كتمان العلم، فأذكّرك -ولا عيب في التذكير- بأنّ أسئلتي يستحيل أن تكون من النوع الذي استثناه أهل العلم في مسألة الكتمان، لأنّ المصلحة منوطة بالردّ عليها! وأسباب ذلك كثيرة أختصرها في ثلاثة أسباب:
الأوّل: أنّها متعلّقة بموضوع الفتنة، وأنت معدود من أطراف النزاع كما قرّر جمعة بصوته! فلا ينبغي تجاهل ما هو متعلق بك –وفقك الله-.
الثاني: لأنّ من طرحها هو في عداد الخصوم ومن مثيري الشبه كما تعتقدون وكما تقرر عند جناحيك لزهر وجمعة، فلا يليق أن يترك الشباب عرضة لهذه الشبه وقد ثبت أنّ المقالات بلغت الآفاق حتى احتاج أتباعكم في كلّ مرة إلى تذكير الشباب بوصيّة التهميش! وحتى أكون صريحا معك –وفقك الله-: إعراضكم عن الجواب يصبّ في صالح من جعلتهم اليوم من خصومك! لأنك قد تظهر في صورة العاجز وهذا الذي فهمه الكثير! وعن نفسي أقول: قد وصلتني رسائل بعد نشر الحلقة الأولى، فيها اعتذار وتحلل وتراجع، وقد أطلعني إخواني كذلك على محادثاتهم مع بعض أتباعكم أعلنوا فيها توقفهم في القضية بعد قراءة المقال!
الثالث: أنّ هذه الفرصة قد لا تعوّض فهي كفيلة بإظهار مستوى من يعتقد فيهم أتباعك أنّهم غلمان أغمار غير قادرين على مواجهتكم! ويجهل هؤلاء الأبواق أنّكم –وفقكم الله- اعتبرتم كلامهم من شبه المبطلين! فقلتم كما في «عدّة الداعية إلى الله 78»: «ومن أساليب المُبطلين أيضا إثارة الشبهات على شخصية الداعية بأنّه غير معروف المكانة في المجتمع ولا من ذوي المناصب الأدبية، ولا من ذوي الشهادات العالية والمعارف القويّة، أو ينتمي للتيار الموالي للأعداء، أو له شذوذ في الفتاوى والأقوال، أو هو رجل عادي لا يتميّز بسمعة مرموقة بل هو مغمور ضعيف لا هو في العير ولا في النفير»، للأسف يا شيخ من يدافع عنكم اليوم قد استعمل هذه الأساليب التي هي أساليب المبطلين كما تفضلت! ومن أجل هذا التصور الخاطئ الذي عشّش في عقول الأتباع سيكون جوابكم على أسئلتنا مُفحما لنا ونحن الغلمان الأغمار! وبمقابل ذلك سيكون مُثبِّتا لمحبّيك، ورافعا للحرج عليهم، وسيُظهر جوابكم -بلا ريب- مكانتكم الكبيرة التي لا تُنازع، وسيُبرِز علمكم المحقّق الأصيل!
ثم أقول لك: اطمئن –وفقك الله- فإنّني لم أشترط في إكمال سلسلتي هذه أن تجيبني عن كل حلقة لأنّي عازم -بإذن الله- على إكمال المشوار، وترسيم هذه الحلقات في صفحات التاريخ، لأنّ الأجيال ستنظر في كل ما كُتب وقيل -شئنا أم أبينا- فالأمر ليس بأيدينا وليس لنا حق التصرّف فيه، وهي سنّة الله سبحانه في الحياة الدنيا، {فهل ينظرون إلاّ سنّة الأوّلين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا}
وعودا إلى ما نحن بصدده:
أقول للشيخ فركوس –رزقني الله وإياك التوفيق والسداد-: إنّ تأخّر إجابتكم عن إشكالات الحلقة الأولى يعكس موقفكم في هذه الفتنة من أوّل يوم، فقد تركتَ الشباب –وأنت لا تشعر- هائما في مُفترق الطرق لا يدري وجهته التي ينجيه عند ربّه سلوكها، مع أنّكم من زمرة أهل العلم الذين أوجب الله عليهم بيان الحقّ وإظهار معالم الهدى، لاسيما وقد توَّجَك الأبواق بتاجٍ فريد، فنصحوا الشباب ألاّ يسألوا في الفتن والنوازل غيرك كما قرّر عبد المجيد جمعة في بداية الفتنة، وعابوا على من رجع إلى أئمة الإسلام خارج البلد، فَمَن كان هذا حاله تعيّن عليه إزالة كل ما تعلّق بهذه الفتنة من لبس وشبه.
وحتى لا تُنسِينا شُعب القضية: فقد كنتَ قبل الفتنة –وفقك الله- مرجعا للجميع، وكان السلفيون عن بكرة أبيهم يحسنون الظن بك، فكيف اختصرت محبّيك في أبواق الفتن، وحصرتهم فِيمن اطمأنّ لكلامك من غير معرفة منه لخبايا الموضوع؟! أليسَ من حقّ النّاس -شيوخا وشبابا رجالا ونساء- أن يعرفوا الحق بدليله؟! أليس من حقهم الاستماع لكلامكم والنظر في كتاباتكم المزيلة لإشكالات القضية؟! لماذا تُحرم هذه الشريحة العريضة من توجيهاتكم؟ لماذا قَنعتَ –وفقكم الله- بمن أحسن الظن بك واستبعدَ وقوع الظلم منك، وهذا الذي صرّح به لزهر بصوته! وأنتم تعلمون مغبّة هذه العلاقة بين التابع والمتبوع وأنت القائل كما في «زاد الداعية إلى الله 83»: «وإذا تأمّلت هذا السبب رأيتَه هو الغالب على أكثر النفوس وليس معهم سوى إحسان الظن بالقائل بلا برهان من الله ولا حجّة قادتهم إلى ذلك».
يا شيخ! لقد أحزنتَنا كثيرا لأنّك لم تمتنع عن بيان الموقف الشرعي في هذه الفتنة فحسب، بل زدت عليه شيئا غريبا حيث منعتَ الشباب من نقل كلامك مع أنّه المنفذ الوحيد الذي بقي عندهم يستقون منه أقوالك في هذه الفتنة؟ فأخبرني –وفقك الله-هل يجوز لعالم أن يترك أمّة من النّاس في غياهب الفتنة ولا ينتشلهم بما مَنَّ الله عليه من العلم والهدى؟! ألستَ القائل –وفقك الله- في «عدة الداعية إلى الله ص:28-29»: «فمنصب الداعي إلى الله بين الناس –بهذا المنظر في بُعده الدعوي- هو الإمامة بالحق وهداية الخلق، وحمل الناس على إصلاح عقيدتهم، وعباداتهم وسلوكهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، وذلك بالقدوة الصالحة وإرشادهم إلى أكمل حالة وبأحسن وسيلة ومن أقرب طريق»، فلماذا أيها الكريم لم تحمل الناس على تصحيح منهجهم وأنت تعرف تعلّق أكثرهم بخصومك مشايخ الإصلاح؟! لقد كان من المُفترض أن يكون حجم البيان مقاربا على الأقل لحجم شهرة هؤلاء الشيوخ! وقد رأينا كم كتب الإمام الربيع في الحلبي والمأربي من المقالات التي كانت سببا في إنقاذ الشباب السلفي من فكر هؤلاء المنحرفين!
ولكي لا أطيل أقول للشيخ: ممّا لوحظ عليك -وفقك الله- أنّك ناقضتَ في هذه الفتنة الكثير من تقريراتك العلمية النظرية، ولم تَعمل في هذه المحنة بما كنتَ تبثُّه في فتوايك من قواعد علمية وأصول سلفية، ولا بأس بأخذ عيّنة تُظهر المعنى المقصود.



مناقشة مختصرة لبعض الإشكالات



فقد كتبتَ –وفقك الله- فتوى يوم: (25 جمادى الثانية 1430 هـ / الموافق لـ: 18 / 06 / 2009 نصراني)، تحت عنوان: «في آداب المستفتي وجوانب تعامله بالفتوى»، ظهر لي بعد تأمّل فيها ومقارنة بينها وبين موقفك في هذه الفتنة شيء من التعارض، أذكره لك فقرة فقرة، وأرجو أن يتّسع صدرك لهذه الأسئلة.




الأوّل: نظريا كما ظهر من كلامكم –وفقك الله- ينبغي التفريق في الاستفتاء بين طلاب العلم القادرين على التمييز وبين العوام العاجزين! لكن عمليّا لم نلحظ هذا التفريق في هذه الفتنة، بل أُلزِم كل الناس بالأخذ بكلامكم شيوخا وطلبة، عواما وجهلة، صغارا وكبارا!
الثاني: ذكرتَ في تقريرك النظري أنّ طالب العلم إذا لم يتمكّن عند اختلاف المفتين من معرفة الأقوال في القوة والضعف عليه أن يأخذ بقول الأعلم والأفضل، والسؤال: لقد ظهر الحق لكثير من طلاب العلم ولم يحتاجوا إلى الرجوع للأعلم لأنّ الأدلّة ظهرت لهم كالشمس! هذا من جهة، ومن جهة أخرى: البعض الآخر من طلبة العلم لم يتبيّن لهم الحق فأخذوا بقول الشيخ ربيع وهو الأعلم والأفضل باتفاق الناس، فما هو ذنبهم عندما حُذّرَ منهم وهُجرت مجالسهم وطعن في أعراضهم ونُكّل بهم أمام النّاس؟!
الثالث: ذكرتَ –وفقك الله-كلاما عظيما يكتب بماء العيون وهو قولك: «لأنَّ الأعلمَ صفةٌ للمجتهدِ في جملةِ المسائلِ ومعظمِها، وقد لا يكون على هذه الصّفةِ في بعضِها، فإن ظهر الحقُّ وتبيَّن وجب المصيرُ إلى متابعتِه بغضِّ النّظرِ عن صفةِ المفتي»، فلماذا عِبتَ -وفقك الله- على من اعتقد أنّك أعلم مشايخ الجزائر في جملة المسائل ومعظمها لكن لم تتحقق فيك صفة الأعلمية في بعض المسائل، كمسائل المنهج والرجال، وتحققت عندهم هذه الصفة في الشيخ عبد الغني؟! يا شيخ: الشباب السلفي في أمسّ الحاجة إلى بثّ هذه التقريرات السلفية، فغيابها سبَّبَ مشاكل عظيمة ومنها مسألتنا هذه، فقد رأينا أن أكثرهم أوتوا من جهة جهلهم بهذه الحقائق، واعتقدوا فيكم اعتقادا فاسدا، فعندهم: بما أنّ الشيخ فركوسا هو عالم البلد فيلزم منه أن يكون العارف كذلك بكل جوانب الشريعة ومسائل الدين! نعم للأسف يا شيخ! فلو أنّ هؤلاء المساكين وقفوا اليوم في غمار هذه الفتنة على هذا التقرير العلمي الذي كتبتَه قبلَ عشر سنوات لما مسّهم لهيب هذه النازلة.






وهنا سؤال تبادر إلى ذهني: هل كنتَ يا شيخ ستقبل من السائل في هذه الفتنة لو قال لك مستفسِرا مسترشِدا: «هكذا أمر اللهُ ورسولُه؟»، أم كنت ستعتبر هذا من سوء الأدب، وقد وقع هذا في مجالسك كثيرا –وفقك الله- فأُنكِرَ على من ألحَّ عليك ليفهمَ كلامك ويقتنع بموقفك.


ثم أخبرني -بارك الله فيك-: هل يُلام من وقف على تقريركم هذا قبل عشر سنوات وطبّقه اليوم وترك فتواك في هذه الفتنة لأنّه وجد منها ريبة في قلبه؟ ألا يشمله قولكم: «فلا يجوز -والحالُ هذه- العملُ بفتواه، ولا تُخلِّصه هذه الفتوى من الله، لعلمِه أنَّ الأمرَ في سريرتِه على خلافِ ما أُفتي به.. بل على المستفتي تَكرارُ الاستفتاءِ إذا انتفتِ الثّقةُ عن المفتي للأسبابِ المانعةِ على نحوِ ما تقدّم، ويُعيد سؤالَه حتَّى تحصلَ له الطّمأنينةُ الكافيةُ للعملِ بالفتوى»،ثم ها قد سألك الناس –وفقك الله- ولم يقتنعوا بجوابكم فكرّروا السؤال على العلماء والمشايخ وعلى رأسهم الشيخ ربيع –حفظه الله- حتى اطمأنّت قلوبهم وهدأت نفوسهم، فأين هو الحرج وقد عملوا بقولكم في هذه الفتوى: «فيجب على المستفتي -والحال هذه- تركُ الفتوى إذا كانت على خلاف ما حاك في نفسِه وتردَّد في صدْرِه، وإنّما يعمل بفتواه التي تطمئنُّ نفسُه إليها وتسكن»، أرجو يا شيخ –وفقك الله-أن تتحمّل صراحتي هذه، وتُجيبني بكل وضوح بارك الله فيك.


وأمرٌ ثانٍ: لو عكسنا القضية: وسلمنا لك بأنّ فتواك في هذه الفتنة كانت مؤسّسة على الدليل الشرعي، فكيف تلزم العامي وطالب العلم هذه الفتوى إذا تعارضت أدلتك مع أدلة خصومكم، ولم يجدوا مرّجحا إلاّ الأخذ بالأشهر والأعلم والأفضل، والاعتماد على المتخصِّص في هذه المسائل، وفي كلّ الحالات ينطبق هذا على الشيخ ربيع! فهل يُلامُون؟!






الإشكال الأوّل: في قولك: «والمشهودُ له بالعلمِ والفضلِ في الأمّةِ فإنّ خطأَه بالنّسبةِ لصوابِه يسيرٌ، والاعتبارُ في الحكمِ عائدٌ إلى كثرةِ فضائلِه، إذ «لِلأَكْثَرِ حُكْمُ الكُلِّ»، ألم يشهد الناس لمشايخ الإصلاح بالعلم والفضل وقد كنتَ من أكبر الشاهدين على هذه الحقيقة؟! أليس خطأ الشيخ عبد الغني يسيرٌ جدّا بالنسبة لصوابه! هذا الرجل الذي مارس هذه الدعوة قبل أربعين سنة! وسبقك إلى طلب العلم والدعوة إلى الله بسنين بعيدة! هل تُعتبر الأخطاء التي انتقَدْتهَا عليه في هذه الفتنة ناسخة لكلّ ماضيه ولكلّ حسناته العظيمة؟! لا أظنّك يا شيخ تعترِض في هذه النقطة الدقيقة لأنّ قولك: «والاعتبارُ في الحكمِ عائدٌ إلى كثرةِ فضائلِه» ينطبق كما سبق على مشايخ الإصلاح وعلى رأسهم الشيخ عبد الغني! لأنّك لم تذكر ولا جمعة ولزهر ذكرا أنّ انحراف مشايخ الإصلاح ضارب في القدم، بل كلّكم اعترفتم بأنّ الأخطاء طارئة!
الإشكال الثاني: لماذا غُيِّبَ اليوم مثل هذا التقرير العلميّ؟! واستُبدِل بأقاويل أخرى كقول جمعة: «العبرة بحاضر الرجل وليس بماضيه»، وقول أتباعكم: «العبرة بالخواتيم»، ولماذا حُكم على كلام خصومكم مع أنّه يصبّ مع كلامك في نفس المعنى بأنّه قول ببدعة الموازنات؟! أريد أن أفهم –وفقك الله-: كيف فرّقتم بين المتماثلات؟! لاسيما وقد رأينا أتباعكم وعلى رأسهم جمعة يذكرون ماضي بعض محبّيهم ويدافعون عنهم قائلين: لهم جهود في الدعوة ومواقفهم مشرّفة وكفا المرء نبلا أن تعد معايبه، كما فعل مع يونسي؟! تذكّر يا شيخ -طيب الله أنفاسك- أنّ دينَ الله يُحرّف بهذه الطُرق المُلتويّة، وإذا لم نتحرك في القريب العاجل لكشف باطلها وبيان زيفها فلن نجني من تقريرها في النفوس إلاّ العلقم، أسأل الله أن يحفظني وإياك وسائر السلفيين من مضلات الفتن.
الإشكال الثالث: ولتعذرني –وفقك الله- فهو موجّه للقارئ وليس إليك: ها هو الشيخ فركوس –وفقه الله- يقرّر بكل وضوح أنّ: «ما كان من كلامٍ مبنِيٍّ على الهوى أو الحسدِ أو العصبيّةِ فإن كان من قرينِه فإنَّ «كَلاَمَ الأَقْرَانِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ يُطْوَى وَلاَ يُرْوَى»، فطبيعي جدّا يا عباد الله أن يتكلّم العالم – على خلاف العادة- بالهوى أو الحسد أو العصبية! وإذا تحقّق هذا فما على السامع والمستفتي إلا طيّه في خزانة الكتمان، والشيخ فركوس ليس مُبرّءا من هذه الآفات، ولا أظنّ الشيخ يبرئ نفسه، لأنّ كلامه في هذا التقرير النظري يشمل جميع العلماء، أمّا القرائن التي اهتدينا بها إلى أنّ كلام الشيخ في إخوانه هو من هذا النوع فهي كثيرة جدا منها: «طعنوا فيّ»، «عملي الدعوي يوازي عملهم جميعا»، «لم يحترموني»، «وقفت وحدي»، وأوضحُها: تأكيد جمعة أنّ الشيخ فركوسا طرف أساسي في النزاع! وغيرها من الأدلّة الواضحة التي تبعث في النفس السكون وتجعل العاقل ينظر إلى كلام الشيخ في إخوانه بمنظار ما كتبَه الشيخ في مقاله هذا.
الإشكال الرابع: في قولك –وفقك الله-: «وإن كان من غيرِ عالِمٍ فلا يجوز أن يَحْكُمَ على العالمِ بالخطإِ والتّعالُمِ والتّقليدِ؛ لأنَّ الجاهلَ لا يعرف خطأَ نفسِه فأنَّى له أن يعرفَ خطأَ غيرِه، والطّعنُ في ذوي الفضلِ والقدحُ فيهم سبيلُ أهلِ الزّيغِ والضّلالِ؛ لأنّ الطّعنَ في حَمَلَةِ الدّينِ هو الطّعنُ في الدِّينِ».
وهنا أطرح سؤالا صريحا: أليست جماعة مغنية وأم البواقي من الجاهلين الذين لا يعرفون خطأ أنفسهم فضلا عن معرفتهم لخطأ مشايخ الإصلاح؟! هل لحسن راعي الغنم المشهود له بالجهل ممن يجوز له ذكر وبيان أخطاء مشايخ الإصلاح؟! هل يجوز لثوّار الفيس بوك أن يحكموا على أخطاء غيرهم؟! أليس طعنهم في المشايخ والدعاة هو طعن في أهل الفضل وهو سبيل أهل الزيغ؟!


ثمّ أخبرني يا شيخ: ما ذنب المرء إذا أخذ بنصيحتك التي كتبتها منذ زمن بعيد وعمل بقولك:«ينبغي أن تكونَ المعاملةُ مبنيّةً على التّآخي والتّعاوُنِ في الخيرِ مع صفاءِ القلوبِ ونبذِ الفُرقةِ وتحقيقِ الأُلفةِ فإنّها لأجلِ مكانتِها ولعظيمِ شرفِها امتنَّ اللهُ تعالى بها على عبادِه حيث قال عزّ وجلّ: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، وقال عزَّ وجلَّ –أيضًا-: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}، فهل ينكر عليه وقد أخذ بهذا الكلام الجميل الذي تشعّ منه أنوار الوحي، وهو شأن كل قول وعمل كان مصدره نصوص الشريعة، نعم يا شيخ {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}

لِنعِش عَيشَ السّلف قليلا، ولنضع نفوسنا تحت أقدامنا، ولنُرحب بالنقد ولنقبل النصح بصدور طيبة واسعة، فدين الله يا شيخ أعظم من أعراضنا، ثم اعلم أيها العزيز: أنّ الطاعنين مهما طعنوا، ومهما كذبوا فأنا ابنُك الوفيّ لك، الصادق في أخوّتك، لا أحبّ أن يُساء إليك بكلمة مَشينة، لكن ما الحيلة وقد أوجبَ عليّ ربِّي أن أخلع ثوب المجاملة وألقيه بعيدا، وأقابلك بما أراه يشينك ويسيء إليك، أسأل الله أن يكرمنا جميعا بهُداه، وأن يثبتنا على صراطه المستقيم، والحمد لله رب العالمين
كتبه:
أبو معاذ محمد مرابط
-عفا الله عنه وعن والديه-
ليلة الأربعاء 03 ربيع الثاني 1440 هـ
الموافق لـ 11 / 12 / 2018 نصراني
بالجزائر العاصمة





رابط الحلقة الأولى
http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=24118
الموضوع الأصلى : حوار هادئ مع الشيخ الدكتور محمد علي فركوس –وفقه الله- (الحلقة الثانية) - Copy المصدر : دليل الإشهار العربي