البلد : الجنس : المساهمات : 11570نقاط النشاط : 15633
موضوع: تربية ضمير المسلم الثلاثاء 13 مارس 2018 - 15:49
الحمد لله الذي أصلحَ الضمائرَ ونقّى السرائرَ فهدى القلبَ
الحائرَ إلى طريقِ أولي البصائرِ، وأشهدُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا
شريكَ له وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبينا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه أنقى
العالمينَ سريرةً وأزكاهم سيرةً ( وعلى آله وصحبِه ومَنْ سارَ على هديهِ إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ فيا أحبتى في الله اقتضتْ حكمةُ اللهِ تعالى أَنْ يَخلقَ الإنسانَ من عَدَمٍ في أكملِ صورةٍ وأَتَمِّ خِلْقَةٍ، ولذا خاطبَه بقولِه في محكمِ آياتِه يقول جل وعلا في سورة الانفطار: (( يَا أَيُّهَا الأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَك))
وشاءتْ إرادةُ اللهِ أن يخلقَ للإنسانِ ما يتلائمُ مع ظرفِه، وينسجمُ مع حياتِه، ويتماشى مع طبيعتِه؛ فكانتِ المخلوقاتُ مِنْ حولِه أنيسَه ومَطْعَمَه، والأرضُ مِهَادَه، والسماءُ لِحافَه والليلُ والنهارُ زمانَه قال سبحانه وتعالى ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) سورة البقرة
ومع تكاملِ مادَّةِ الحياةِ اسْتَوْدعَ الحقُّ سبحانَه في قلبِ الإنسانِ ما يَسْتَوجِبُ الموائَمَةَ مع مَنْ حولَه ويصلحُ لهذا التكاملِ؛ فكانتِ الغريزةُ والفطرةُ والضميرُ؛ إذ بالغريزةِ يَحفظُ نوعَه بما يكفلُ استمرارَه وبقاءَه ((فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً))(سورة الفرقان) وبفطرتِه يهتدي إلى التوحيدِ ويستجيبُ لبواعثِ الإيمانِ ((فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ))سورة الروم وبالضميرِ الحيِّ اليقظِ يندفعُ نحوَ الطريقِ القويمِ والعملِ الراشدِ (( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)) سورة الشمس. أحبتى في الله إنَّ الضميرَ هو مستودعُ السرِّ الذي يكتمُه القلبُ والخاطرُ الذي يسكنُ النفسَ؛ فيُضيءُ ظلمتَها ويُنيرُ جوانبَها، وهو القوةُ التي تدفعُ نحوَ فعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ وحبِّ الصالحاتِ، وهو سببُ تسميةِ النفسِ باللوامَّةِ، كما قالَ الحقُّ سبحانه: (( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)) سورة القيامة والضميرُ هو الرادعُ عنِ المعاصي والآثامِ الذي يُجَنّبُكَ مقاربتَها ويُث*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*َ عن تكرارِها؛ فقد وصَفَ اللهُ عبادَه المتقينَ فقالَ: ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) سورة آل عمران ولذلكَ ضَربَ اللهُ مثلاً لذلكَ بيوسفَ -عليه السلامُ- حينما حجَزَهُ ضميرُه عن الانجرافِ وراءَ الهوى وقال: (( مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) سورة يوسف فأكرمْ بهِ وبسلسلتِه الشريفةِ. إنَّ الضميرَ يُنجي صاحِبَه منَ المهالكِ، ويُبعدُه عَنْ شرِّ المسالكِ، ومن صفاتِ الضميرِ المؤمنِ أَنّ صاحِبَه دائمُ التذكّرِ فإذا همَّ بأمرِ سوءٍ ارتدعَ وانزجرَ، وابتعدَ عن المعاصي وأدبَرَ، يقولُ اللهُ تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ))سور الأعراف ولذلك وُصِفَ الضميرُ الصالحُ بالحيِّ اليقظِ فهو حيٌّ ما دامَ نورُه وهَّاجَاً؛ فكانت نفسُه لوَّامةً ووُصِفَ الضميرُ الطالحُ بالميِّتِ متى ما انطفأَ نورُه فكانتْ نفسُه أمَّارةً. أحبتى في الله يتأثَّرُ الضميرُ الإنسانيُّ بما تتأثرُ به النفسُ؛ فيتضائلُ ويقلُّ قدرُه ويخبو نورُه إذا انجرفت النفسُ وراءَ وساوسِها ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ))سورة ق واتبعَت همزاتِ الشياطينِ وإغواءَهم (( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ))سورةالمؤمنين وانساقتْ وراءَ ضلالتِها ((فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا))سورة يونس وكانت رَهْنَ هواها ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ)) سورة النجم فاختلَّ ضميرُها وضعُفَتْ قوّتُه وصارَ الإنسانُ عبداً لشهواتِه يَرَى الباطلَ حقَّا والشرَّ خيرا لا يردعُهُ رادعٌ ولا يحجُزُه حاجزٌ، ولذلكَ قيلَ: "مَنْ توهَّمَ أنَّ لهُ عدواً أعدى من نفسِهِ قلَّتْ مَعْرِفَتُه بنفسِه"، وقد يسمو الضميرُ ويعلو قدرُه ويزيدُ ضياؤُه إذا خالفتْ نفسُهُ هواها فيما لا ينفعُها يقولُ الحقُّ سبحانه: ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى))سورة وصارَعَتْ وسوسَةَ شياطينِ الجنِ والأنسِ ((وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ))سورة الأعراف وانكبَّتْ على الباقياتِ الصالحاتِ ((قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)) سورة الأنعام حينَها يقوى الضميرُ وتُضَاءُ جنباتُ النفسِ وتَخْصُبُ أرضُهَا؛ فيكونُ مِنْ ثمرِهَا صدقُ صاحِبِها وأمانَتُه، ومروَءتُه وإخلاصُه وعِفَّتُه ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))سورة الشمس