موضوع: هل يهجر زميله في العمل الذي يفعل المحرمات ؟ الخميس 5 مارس 2015 - 15:48
شيخنا الفاضل لدي زميل بالعمل ( أجنبي الجنسية ) تأذيت كثيراً من كلماته ، وشتمه للغير ، وحتى رقصات أنغام جواله التي طالما آذاني بها ، وعندما حدثته بذلك قال : هذا ليس من شأنك ، وأنا الآن قطعت العلاقة معه بسبب موقف بيننا ، وإذا دخلت مكتبي أسلم بصوت عال ، ولا يرد ، وإذا دخل هو لا يسلم ، فهل أنا ملزم بأن أمد يدي لمصافحته ، علماً بأنني رأيت بعيني أنه لا يهتم ، وسبق أن صافحه أحدهم وهو جالس ولم يكلف نفسه حتى بالوقوف بسبب زعل منه على ذاك الرجل ، فهل الإسلام يجبرني على أن أصافحه وهو بهذه الأخلاق التي ذكرت ؟ علماً أنه لا يتكلم مع أشخاص آخرين في العمل ، وأنا لست أول من يفعل هذا معه . أرجو الإجابة لأني أحس بتأنيب ضمير ، وأخاف من حديث " لا يرفع العمل بسبب الخصومة " ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم . الحمد لله الهجر الذي يكون بين متخاصمين من المسلمين نوعان :
الأول : هجر لحظِّ النفس ، أو على أمرٍ دنيوي .
والثاني : هجر لحقِّ الله ، بأن يكون من أجل وقوع المهجور في بدعة أو معصية .
وحكم الهجر الأول : أنه غير مشروع ، بل هو منهي عنه .
وهذا الهجر لا يجوز أكثر من ثلاث ليال كما سبق في الحديث .
وأما حكم الهجر الثاني : فهو هجر مشروع ، وله أدلته من السنَّة ، وقد فعله الصحابة ، ومن بعدهم من أئمة الدين ، وله شروط وضوابط في كلام أهل العلم .
فقد هجر النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك من غير عذر ، وقد جاء حديثهم الطويل في الصحيحين من حديث كعب بن مالك – رضي الله عنه – وهو أحد الثلاثة .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في سياق ذِكر فوائد الحديث :
وفيها : ترك السلام على من أذنب ، وجواز هجره أكثر من ثلاث ، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث : فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيّاً ... .
وفيها : سقوط رد السلام على المهجور عمَّن سلَّم عليه ؛ إذ لو كان واجباً : لم يقل " كعب " هل حرَّك شفتيه – أي : النبي صلى الله عليه وسلم - برد السلام .
" فتح الباري " ( 8 / 124 ) .
فيتبين لنا من سياق الحديث – ولم نسقه لطوله – أن من أحكام الهجر الشرعي : جواز ترك إلقاء السلام وترك ردِّه على صاحب المعصية – وصاحب البدعة أولى - ، وأن هجره غير محدد بوقت ، بل يكون ذلك إلى أن يتوب ، أو حيث يرى الهاجر المصلحة في ذلك – كما سيأتي - ، وبه تعلم أن ترك مصافحتك لذلك العاصي ، بل ترك للسلام عليه بلسانك أنه ليس فيها محذور شرعي عليك ، وإليك ما يزيد الأمر توكيداً :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ومَن عُرف منه التظاهر بترك الواجبات ، أو فعل المحرمات : فانه يستحق أن يُهجر ، ولا يسلَّم عليه تعزيراً له على ذلك حتى يتوب .
" مجموع الفتاوى " ( 23 / 252 ) .
لكن لا بدَّ من التنبيه على أن الهجر للعاصي والمبتدع إنما شرِع لحكمٍ عظيمة ، ومنها أن هجره هو لتأديبه حتى يترك معصيته وبدعته ، وكذا شُرع تنبيهاً لغيره أن يقع في المعصية أو البدعة ، وحيث كان الهجر غير مجدٍ مع هذا العاصي ، أو أنه سيزيده طغياناً : فلا ينبغي الهجر ؛ لما يترتب عليه من آثار سيئة على المهجور ، أو أنه لن يتحقق ما شُرع الهجر من أجله ، وهنا يكون التأليف لقلب هذا العاصي أنفع من الهجر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم ، وضعفهم ، وقلتهم ، وكثرتهم ؛ فإن المقصود به : زجر المهجور ، وتأديبه ، ورجوع العامة عن مثل حاله .
فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته : كان مشروعاً ، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك ، بل يزيد الشر ، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته : لم يشرع الهجر ، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر .
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين ، كما أن الثلاثة الذين خلِّفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم ؛ لما كان أولئك كانوا سادة مُطاعون في عشائرهم ، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم ، وهؤلاء كانوا مؤمنين ، والمؤمنون سواهم كثير ، فكان في هجرهم عزُّ الدين ، وتطهيرهم من ذنوبهم ، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة ، والمهادنة تارة ، وأخذ الجزية تارة ، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 206 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ما ضابط هجر العاصي الذي لم تظهر معصيته علانية للناس إذا كان في هجره مصلحة ؟ .
فأجاب :
الضابط : أن هجر العاصي إن كان فيه مصلحة بحيث يرجع العاصي عن معصيته : فليهجر ، وأما إذا لم يكن فيه مصلحة : فهجره حرام ؛ لأن العاصي مسلم ، ولو فعل ما فعل من الكبائر ، إلا الكفر إذا كَفَر ، هذا معلوم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان ، ويعرض هذا ، ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) ، فلا تهجره ؛ ولأن بعض العصاة إذا هجرته : زاد في معصيته ، وكرِهك أيضاً ، ولم يقبل منك أي نصيحة ، أما لو كان هجره ينفع ، كما لو كان أحد الأبناء ، أو أحد الإخوة وهو يقدِّرك ، وإذا هجرته ارتدع : فهنا اهجره حتى يرتدع ، فإن أخلف الظن - بمعنى: أنك هجرته ولكنه لم يرتدع - : فعُد ، وسلِّم عليه ، ولا تنس النصيحة .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 231 / السؤال رقم 9 ) .
فأنت أخي السائل إن رأيتَ أن تركك للسلام عليه سيؤثر فيه ، وسيرتدع عن معاصيه بسببه : فاستمر على هجرك له ، واترك إلقاء السلام ، وردِّه إن سلَّم ، وإن رأيتَ أن ذلك غير نافعه : فاعلم أن تأليفك لقلبه بالهدية ، والتبسم في وجهه ، والتلطف في مخاطبته أنفع من هجره ، فاعمل على ذلك ، فإن أبى منك ذلك ، ولم يتجاوب معك : فليس عليك شيء ، ولست ملوماً في ذلك .
البلد : الجنس : المساهمات : 20859نقاط النشاط : 23990
موضوع: رد: هل يهجر زميله في العمل الذي يفعل المحرمات ؟ الإثنين 29 يناير 2018 - 16:26
نسال الله العفو والعافية وان نكون من عباده الصالحين بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على الطرح المميز جعله الله في موازين حسناتك وثبتك اجره تقبل مروري وتقديري
البلد : الجنس : المساهمات : 5412نقاط النشاط : 5895
موضوع: رد: هل يهجر زميله في العمل الذي يفعل المحرمات ؟ الخميس 14 مايو 2020 - 0:40
بارك الله فيك على الموضوع المميز
بانتظار جديدك دائما
تحياتي لك
goboy
البلد : الجنس : المساهمات : 16017نقاط النشاط : 19344الأوسمة :
موضوع: رد: هل يهجر زميله في العمل الذي يفعل المحرمات ؟ الإثنين 15 مارس 2021 - 8:45
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ألف شكر لكَ على هذا الموضوع المميز و المعلومات القيمة إنـجاز أكثر رائــــــع لكن أرجو منكَ عدم التوقف عند هذا الحد مـنتظرين ابداعتــــــك دمتـ ودام تألقـك
تحياتــي
قسي وبس2
البلد : الجنس : المساهمات : 5203نقاط النشاط : 4033
موضوع: رد: هل يهجر زميله في العمل الذي يفعل المحرمات ؟ الإثنين 15 مارس 2021 - 17:23
ﺑﻮﺭﻛﺖ ﺟﻬﻮﺩﻙ ﻭﺍﻧﺘﻘﺎﺋﻚ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰ
توقيع : قسي وبس2
ودالعكلي نيوز يشرفنا زيارتك لمنتدانا
https://rahm.ahlamountada.com
Miss.Wefaa
البلد : الجنس : المساهمات : 2682نقاط النشاط : 2205
موضوع: رد: هل يهجر زميله في العمل الذي يفعل المحرمات ؟ الثلاثاء 16 مارس 2021 - 22:31
شكرا لك عالطرح ربي يعطيك العافية بإنتظار المزيد بإذن الله تقبلو مروري