البلد : الجنس : المساهمات : 30978نقاط النشاط : 35099
موضوع: 220526: التحذير من التكفير بغير بيِّنة . الجمعة 29 أغسطس 2014 - 9:47
السؤال: كفّرني صهري ، بناءً على فهم محدد عنده : أن كل جاهل مرتكب للشرك لا يمكن أن يكون مسلماً ، على أني شخصياً لا أرتكب الشرك - والعياذ بالله - لكني أعذر الآخرين بالجهل ، وهو أمر لا نقاش فيه بالنسبة له ، فكل جاهل- حسب وجهة نظره - يمكنه التعلم ، وبالتالي لا عذر له. ويقول بما أني لا أكفّرهم ففي توحيدي دخن ، وعليه فإني خارج دائرة الإسلام . فهل هذا صحيح ؟
الجواب : الحمد لله أولا : لا يجوز التساهل في تكفير المسلم أو تفسيقه ؛ لما في ذلك من الافتراء على الله ، والافتراء على عباده المسلمين ، ولا يجوز تكفير المسلم أو تفسيقه إلا إذا جاء بما يوجب ذلك قولا أو فعلا بدلالة الكتاب والسنة . وكذا لا يجوز تكفيره أو تفسيقه ، إلا بعد استيفاء شروط التكفير أو التفسيق ، وانتفاء موانعه . ومن الشروط : أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً . ومن الموانع : أن يكون متأولا ، أو عنده بعض الشُّبَه التي يظنها أدلة ، أو كان بحيث لا يستطيع فهم الحجة الشرعية على وجهها ، فالتكفير لا يكون إلا بتحقق تعمد المخالفة وارتفاع الجهالة . انظر جواب السؤال رقم : (85102) لمعرفة ضوابط التكفير .
ثانياً : الصواب في مسألة العذر بالجهل : أن المسلم الذي ثبت إسلامه ، لا يزول عنه إسلامه بمجرد الشبهة ، بل لا يزول عنه إلا بيقين ، وبتحقق قيام الحجة عليه ، وانقطاع عذره بها . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا فَيُطْلَقُ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ صَاحِبِهِ وَيُقَالُ مَنْ قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ ، لَكِنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي قَالَهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا " انتهى من " مجموع الفتاوى " (23/ 345) .
ومن موانع التكفير ، وأعذار المخالف ، أيا ما كانت مخالفته : فرعية أو شرعية ، فقهية أو عقدية : الجهل ؛ فمن عمل عملا ، وهو يجهل أن الله حرم ذلك العمل عليه : لم يؤاخذ بما عمله ، ولم تترتب عليه آثار ذلك العمل ، حتى يُعَرَّف ، وتقام عليه الحجة ، وتتبين له المحجة . قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التوبة/115 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " هَذَا مَعَ أَنِّي دَائِمًا وَمَنْ جَالَسَنِي يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنِّي : أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً وَفَاسِقًا أُخْرَى وَعَاصِيًا أُخْرَى وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا : وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ . وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَتَنَازَعُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ لَا بِكُفْرِ وَلَا بِفِسْقِ وَلَا مَعْصِيَةٍ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (3/229) . وقال أيضا : " وَإِذَا عُرِفَ هَذَا ، فَتَكْفِيرُ " الْمُعَيَّنِ " مِنْ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ وَأَمْثَالِهِمْ - بِحَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْكُفَّارِ - لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَقُومَ عَلَى أَحَدِهِمْ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ لَا رَيْبَ أَنَّهَا كُفْرٌ. وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي تَكْفِيرِ جَمِيعِ " الْمُعَيَّنِينَ " مَعَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْبِدْعَةِ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ يَكُونُ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ مَا لَيْسَ فِي بَعْضٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ . وَمَنْ ثَبَتَ إيمَانُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ ." انتهى من " مجموع الفتاوى " (12/501) . وقال أيضا ، في شأن بعض ما يقع فيه الجهال من أمور شرك العبادة : " وهذا الشركُ إذا قامت على الإنسان الحجةُ فيه ولم يَنتهِ، وَجَبَ قتلُه كقتلِ أمثالِه من المشركين، ولم يُدفَنْ في مقابرِ المسلمين، ولم يُصَلَّ عليه . وإمَّا إذا كان جاهلاً لم يَبلُغْه العلمُ، ولم يَعرِف حقيقةَ الشرك الذي قاتلَ عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشركين، فإنه لا يُحكَم بكُفْرِه، ولاسِيَّما وقد كَثُر هذا الشركُ في المنتسبين إلى الإسلام، ومن اعتقدَ مثلَ هذا قُربةً وطاعةً فإنه ضَالٌّ باتفاقِ المسلمين، وهو بعد قيامِ الحجة كافر." انتهى من " جامع المسائل " (3/151) . ونصوص شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا السياق : كثيرة جدا ، لا يستع المقام لجمعها . قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : " وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم ، الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي ، وأمثالهما ، لأجل جهلهم ، وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ، أو لم يكفر ويقاتل ؟ (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ )" انتهى من " الدرر السنية " (1/104) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا قلنا : هذا كفر : فلا نحكم على كل فاعل أن يكون كافراً ؛ لأنه قد يكون معذوراً ، أو يشتبه عليه الحق ، أو يكون مضطراً ارتكب هذا للضرورة ، فنصبر حتى نتبين حال هذا المرء ، فإذا تبين حاله وأن الرجل عنده علم ، ولكنه تجرأ على ما يصل به إلى الكفر ؛ كفَّرناه " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (6/ 37) [بترقيم الشاملة ] .
والقول بأن كل جاهل يمكنه التعلم قول غير صحيح ، لأن الجهل أصناف ، فهذا جاهل لا يعلم ، ولا يتمكن من العلم بسبب كبر سنه أو ضعف عقله ، وهذا جاهل بسبب تأويل عرض له ، وهذا جاهل بسبب شبهة ، وهذا جاهل بسبب حديث سمعه ، وهذا جاهل بسبب فهم فاسد ، وهذا جاهل بسبب شيخ جاهل يثق به ، إلى غير ذلك ، وعامة هؤلاء جهلة معذورن ، بخلاف الجاهل المعاند فإنه لا يعذر . وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (215338) ، ورقم : (111362 ) ، ورقم : (192564) .
ومن الدراسات الجيدة النافعة في هذه المسألة المهمة ، كتاب : " إشكالية العذر بالجهل في البحث العقدي " ، للشيخ الفاضل سلطان العميري ، وهو مطبوع متداول ، ومتاح على شبكة الإنترنت أيضا .
ثانيا : قول من قال : " من لم يكفر الكافر ، فهو كافر " ؛ ليس على إطلاقه ، وليس هذا نصا لكتاب الله ، ولا سنة رسوله ، ولا إجماعا ثابتا للمسلمين ، واجب العصمة . ولا شك أن إطلاقه ، على ما جاء في السؤال : باطل ، لا يشك في بطلانه من كانت له أدنى معرفة بالشرع المطهر . وما زال العلماء يخلتفون في شأن الساحر : هل هو كافر ، أو ليس بكافر ، ولم نسمع أحدا من أهل العلم والدين ، ممن يقول بكفر الساحر ، قال : إن من لم يكفر الساحر ، فهو كافر !! وما زال الناس يختلفون في " تارك الصلاة كسلا " ، ولم نرَ ولم نسمعْ أحدا ممن قال بكفر تارك الصلاة ، قديما أو حديثا ، يقول : إن من لم يكفر تارك الصلاة فهو كافر. وهكذا الشأن في أمر عذر الجاهل ، فمن قال : إن الجاهل معذور بجهله ، لا يقول إن ما فعله صواب ، مقبول ، بل يقول إنه فعله خطأ ، أو كفر ، بحسب حاله ، وإن كان نفس الفاعل لا يحكم عليه بتكفير أو تفسيق إلا بعد البيان ، وقيام الحجة الرسالية عليه .
وأما مراد أهل العلم ، أو من أطلق نحوا من هذه العبارة منهم ؛ إنما مرادهم بذلك : من لم يكفر الكافر الأصلي الذي يدين بغير ملة الإسلام ، أو من صحح مذهب أهل الضلال المخالفين لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، الواقعين في كفر لا اختلاف فيه ، من غير تأويل ، أو جهل يعذورن فيه ، على ما سبق بيانه من حكم الجاهل .
وهذه طائفة من أقوال العلم ، يتضح بها ما قررناه هنا : قال القاضي عياض رحمه الله : " ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة الإسلام من الملل ، أو وقف فيهم ، أو شك أو صحح مذهبهم ، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده ، واعتقد إبطال كل مذهب سواه : فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك " انتهى من " الشفا " (851) ط . دبي . وقد قال قبل ذلك ـ أيضا ـ في إبطال قول من لم يكفر العوام والبله من اليهود والنصارى ، ونحوهم ؛ قال : " وقائل هذا كله كافر ، بالإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود ، وكل من فارق دين المسلمين ، أو وقف في تكفيرهم ، أو شك . قال القاضي أبو بكر لأن التوقيف ، والإجماع : اتفقا على كفرهم ؛ فمن وقف في ذلك فقد كذب النص ، والتوقيف أو شك فيه ؛ والتكذيب ، أو الشك فيه : لا يقع إلا من كافر " انتهى من " الشفا " (846) . فقد بين أن مناط التكفير هنا : هو من لم يكفر المشركين ، ومن دان بغير ملة الإسلام ، ممن دل " التوقيف " ـ يعني : النص ـ أو الإجماع على كفره .
وقال الشيخ منصور البهوتي ، رحمه الله : " (أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ) أَيْ تَدَيَّنَ (بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى) وَالْيَهُودِ (أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ) فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران/ 85 " انتهى من " كشاف القناع " (6/170) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : " ومن لم يكفر الكافر : فهو مثله ، إذا أقيمت عليه الحجة ، وأبين له الدليل ، فأصر على عدم التكفير، كمن لا يكفر اليهود أوالنصارى أو الشيوعيين أو نحوهم ممن كفره لا يلتبس على من له أدنى بصيرة وعلم" انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (7/415) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " من كفِّره الله : يجب علينا أن نُكفره ، ومن لم يكفره الله : حرم علينا أن نكفره . ومن ظننا أن فعله كفر : فإنه لا يحل أن نكفره بمجرد الظن ، حتى يقوم دليلٌ واضح على كفره " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (8/ 2) [ بترقيم الشاملة ] .
وقد نبه على نحو مما ذكرناه هنا أيضا : جمع من أهل العلم ، كالشيخ عبد العزيز الراجحي ، حفظه الله ، في " شرح تطهير الاعتقاد " للصنعاني ، والشيخ صالح آل الشيخ ، والشيخ ناصر العقل ، كلاهما في " شرح الطحاوية " .
وينظر في بيان التأويل الذي يعذر به صاحبه : جواب السؤال رقم : (192564 ) .
البلد : الجنس : المساهمات : 28088نقاط النشاط : 24843
موضوع: رد: 220526: التحذير من التكفير بغير بيِّنة . الأربعاء 3 ديسمبر 2014 - 11:52
جزاك الله الجنه
توقيع : المحترف الذهبي
منتداي الشخصي ( منتدى بابل )
صفحة المنتدى على فيسبوك
VaMoS AmR
البلد : الجنس : المساهمات : 22620نقاط النشاط : 24228
موضوع: رد: 220526: التحذير من التكفير بغير بيِّنة . الجمعة 5 ديسمبر 2014 - 13:38
يعطيك العافيه على الطرح القيم والرائع جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان حسناتك يوم القيمه تسلم الايادى وبارك الله فيك دمت بحفظ الرحمن ....
Saya minatsuki
البلد : الجنس : المساهمات : 18035نقاط النشاط : 19149
موضوع: رد: 220526: التحذير من التكفير بغير بيِّنة . الثلاثاء 26 يوليو 2016 - 4:21
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ألف شكر لكَ على هذا الموضوع المميز و المعلومات القيمة إنـجاز أكثر رائــــــع لكن أرجو منكَ عدم التوقف عند هذا الحد مـنتظرين ابداعتــــــك دمتـ ودام تألقـك
تحياتــي
nour aliman
البلد : الجنس : المساهمات : 11609نقاط النشاط : 15633
موضوع: رد: 220526: التحذير من التكفير بغير بيِّنة . الأربعاء 28 مارس 2018 - 0:56
طرح رائع
جزاك الله عنا كل خير
وأثابك حسن الدارين
ومتعك برؤية وجهه الكريم
توقيع : nour aliman
https://wahetaleslam.yoo7.com/
منصورة
البلد : الجنس : المساهمات : 20859نقاط النشاط : 23990
موضوع: رد: 220526: التحذير من التكفير بغير بيِّنة . الإثنين 17 سبتمبر 2018 - 2:49
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على الإفادة والمعلومة جعله الله في ميزان حسناتك مع فائق الإحترام والتقدير