البلد : الجنس : المساهمات : 30978نقاط النشاط : 35099
موضوع: حول مسألة العذر بالجهل . الجمعة 29 أغسطس 2014 - 9:45
السؤال : يوجد لدي بعض الأقارب من الصوفية ، وهم يتبعون ما يقول لهم شيخهم فهم يعتقدون أنه من أهل العلم ، وهم يقومون بأفعال تندرج تحت الشرك الأكبر ، ولكنهم يفعلونها بناءً على تأويلات خاصة بهم ، وهم لا يعرفون اللغة العربية ، ولكنهم يملكون ترجمة معاني القرآن بلغتهم الأم ، ولكن لا يقرؤونه . وقد قرأت أنّ المسلم لا يعذر بالشرك الأكبر ، إن كان يستطيع قراءة القرآن - إذا كان يستطيع الوصول إلى القرآن في البيئة التي يعيش بها - ، أو إذا كان يستطيع الوصول إلى العلماء وسؤالهم ، والرجوع إليهم . فهل يجب علي تكفيرهم ؟ أم هل يجب علي الحذر من تكفيرهم ؟ الجواب : الحمد لله أولاً : الواجب على المسلم : تحقيق التوحيد ، واتباع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، وتجنب البدع وأهلها ، والطرق الصوفية من أهلها ، فالواجب تنكب طريقهم والبعد عن مسالكهم . ثانياً : لا يجوز التساهل في تكفير المسلم أو تفسيقه ؛ لما في ذلك من الافتراء على الله والافتراء على عباده المسلمين ، ولا يجوز تكفير المسلم أو تفسيقه إلا إذا جاء بما يوجب ذلك قولا أو فعلا بدلالة الكتاب والسنة . وكذا لا يجوز تكفيره أو تفسيقه ، إلا بعد استيفاء شروط التكفير أو التفسيق ، وانتفاء موانعه . ومن الشروط : أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً . ومن الموانع : أن يكون متأولا ، أو عنده بعض الشبه التي يظنها أدلة ، أو كان بحيث لا يستطيع فهم الحجة الشرعية على وجهها ، فالتكفير لا يكون إلا بتحقق تعمد المخالفة وارتفاع الجهالة . ثالثاً : الصواب في مسألة الجاهل وعذره : أن المسلم الذي ثبت إسلامه ، لا يزول عنه بمجرد الشبهة ، بل لا يزول عنه إلا بيقين ، وتحقق قيام الحجة الرسالية عليه ، وينقطع عذره بها . قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : " وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم ، الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي ، وأمثالهما ، لأجل جهلهم ، وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ، أو لم يكفر ويقاتل؟ (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ )" انتهى من " الدرر السنية " (1/104) . ومن المعلوم أن الأصل في هؤلاء الأعاجم أنهم ينشؤون في بلاد ومجتمعات : الغالب عليها الجهل بكثير من أحكام الإسلام وشرائعه ، وخاصة منها ما يتعلق بأمور السنن ، ومقتضياته التوحيد ، وإنما يؤمنون إيماناً كلياً مجملاً ، ويجهلون كثيرا من هذه التفاصيل . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَالتَّكْفِيرُ هُوَ مِنْ الْوَعِيدِ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ تَكْذِيبًا لِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةِ بَعِيدَةٍ . وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ مَا يَجْحَدُهُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ . وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَا يَسْمَعُ تِلْكَ النُّصُوصَ أَوْ سَمِعَهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ عَارَضَهَا عِنْدَهُ مُعَارِضٌ آخَرُ أَوْجَبَ تَأْوِيلَهَا ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا . وَكُنْت دَائِمًا أَذْكُرُ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ: ( إذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ، ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ ، فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ : مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت؟ قَالَ خَشْيَتُك: فَغَفَرَ لَهُ). فَهَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ ، وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ . وَالْمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْلَى بِالْمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا" . انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/231) . وقال أيضا : " وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَنْشَأُ فِي الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ الَّذِي يَنْدَرِسُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ عُلُومِ النُّبُوَّاتِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُبَلِّغُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ فَلَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا يَبْعَثُ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ مَنْ يُبَلِّغُهُ ذَلِكَ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ ؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَكَانَ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَأَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/407) . وليس مجرد معرفتهم بترجمة القرآن كافياً ، بل ولا حتى تمكنهم من قراءة القراءة بلغته ؛ فكم ممن يتكلم العربية ، ويعرف طرائقها ، ثم لا يتبين له من نصوص القرآن والسنة ما يدل على خطأ ما هو عليه ، أو بطلانه ، أو أن ذلك من الشرك أو لا ؟ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قال الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة : والذي ينبغي الاحتراز منه : التكفير ما وجد إليه سبيلا ؛ فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة ، أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد " انتهى من "فتح الباري" (12/300) . والواجب على السائل هنا : أن يجتهد في دعوة أقاربه ، ومعارفه ، وتبليغهم التوحيد والسنة ، والصبر على أذاهم ، أو إعراضهم ، أو جفوتهم ، فإن ذلك أعظم مقام يقومه العبد في الناس ؛ قال الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فصلت/33-36
البلد : الجنس : المساهمات : 28088نقاط النشاط : 24843
موضوع: رد: حول مسألة العذر بالجهل . الأربعاء 3 ديسمبر 2014 - 11:02
جزاك الله الجنه
توقيع : المحترف الذهبي
منتداي الشخصي ( منتدى بابل )
صفحة المنتدى على فيسبوك
S N I P E R S
البلد : الجنس : المساهمات : 2473نقاط النشاط : 2717
موضوع: رد: حول مسألة العذر بالجهل . الأربعاء 3 ديسمبر 2014 - 11:04
شكرا لك
توقيع : S N I P E R S
اهلا وسهلا بيك يا زائر أنورت توقيعي
الأخبار الجزائرية المحلية الصحفية الرياضية السياسية والحصرية
VaMoS AmR
البلد : الجنس : المساهمات : 22620نقاط النشاط : 24228
موضوع: رد: حول مسألة العذر بالجهل . الجمعة 5 ديسمبر 2014 - 13:32
بارك الله فيك اخى كلمات حملة مشاعر روحنيا والحمد لله والشكر على نعمه علينا لروحك سلسبيل السعاده كن فى حفظ الرحمن
Saya minatsuki
البلد : الجنس : المساهمات : 18035نقاط النشاط : 19149
موضوع: رد: حول مسألة العذر بالجهل . الثلاثاء 26 يوليو 2016 - 4:17
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ألف شكر لكَ على هذا الموضوع المميز و المعلومات القيمة إنـجاز أكثر رائــــــع لكن أرجو منكَ عدم التوقف عند هذا الحد مـنتظرين ابداعتــــــك دمتـ ودام تألقـك
تحياتــي
Basil Abdallah
البلد : الجنس : المساهمات : 796نقاط النشاط : 739
موضوع: رد: حول مسألة العذر بالجهل . السبت 29 أكتوبر 2016 - 10:05
شكرا لك على الطرح القيم
توقيع : Basil Abdallah
nour aliman
البلد : الجنس : المساهمات : 11609نقاط النشاط : 15633
موضوع: رد: حول مسألة العذر بالجهل . الجمعة 13 أبريل 2018 - 20:26
شكراً على هذا الموضوع
و جعله الله في موازين حسناتكم
أرجو الله أن يرفع درجتكم
جزاكم الله كل خير، ووفقكم في أمور دينكم ودنياكم
توقيع : nour aliman
https://wahetaleslam.yoo7.com/
saad design
البلد : الجنس : المساهمات : 16130نقاط النشاط : 17654
موضوع: رد: حول مسألة العذر بالجهل . الإثنين 24 سبتمبر 2018 - 13:06
موضوع رائع وجميل جزاك الله الف خير في ميزان حسناتك يارب بالتوفيق
توقيع : saad design
منتدى طريق التطوير يرحب بكم , www.t-altwer.yoo7.com
منصورة
البلد : الجنس : المساهمات : 20859نقاط النشاط : 23990
موضوع: رد: حول مسألة العذر بالجهل . الأربعاء 26 سبتمبر 2018 - 22:40
مشاركة طيبة بارك الله فيك على الانتقاء وجزاك المولى خير الجزاء جعله فى موزين حسناتك دمتم فى رضا الرحمن